بحث في فقه السنة والويب

Tuesday, June 14, 2016

الخطأُ في مصرفِ الزَّكاةِ

الخطأُ في مصرفِ الزَّكاةِ
تقدمِ الكلام على من تحل لهم الصدقة، ومن تحرم عليهم، ثم إنه لو أخطأ المزكي، وأعطى من تحرم عليه، وترك من تحل له، دون علمه، ثم تبين له خطؤه، فهل يجزئه ذلك وتسقط عنه الزكاة، أم أن الزكاة لا تزال ديناً في ذمته، حتى يضعها موضعها ؟ اختلفت أنظار الفقهاء في هذه المسألة؛ فقال أبو حنيفة، ومحمد، والحسن، وأبو عبيدة: يجزئه ما دفعه، ولا يطالب بدفع زكاةٍ أخرى؛ فعن معن بن يزيد، قال: كان أبي أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله، ما إياك أردت. فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أَخذت يا معن "(1). رواه أحمد، والبخاري.
والحديث،وإن كان فيه احتمال كون الصدقة نفلاً،إلا أن لفظ: "ما"في قوله: "لك ما نويت ". يفيد العموم. ولهم أيضاً، في الاحتجاج حديث أبي هريرة، أن النبىصلى الله عليه وسلم قال " قَالَ رَجُلٌ (2) لأََتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ (3) فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ (4) لأََتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ لأََتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ فَأُتِيَ (5) فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ - عز وجل - " (6). رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل، الذي سأله الصدقة: "إن كنت من تلك الأجزاء، أعطيتك حقك ". وأعطى الرجلين الجلدين، وقال: "إن شئتما أعطيتكما منها، ولاحظَّ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب "(7).
قال في "المغني ": ولو اعتبر حقيقة الغني، لما اكتفى بقولهم. وذهب مالك، والشافعي، وأبو يوسف، والثوري، و ابن المنذر، إلى أنه لا يجزئه دفع الزكاة إلى من لا يستحقها إذا تبين له خطؤه، أن عليه أن يدفعها مرة أخرى إلى أهلها؛ لأنه دفع الواجب إلى من لا يستحقه، فلم يخرج من عهدته، كديون الآدميين.
ومذهب أحمد، إذا أعطى الزكاة من يطنه فقيراً، فبان غنياً، ففيه روايتان: رواية بالإجزاء، ورواية بعدمه.
فأما إن بان الآخذ عبداً، أو كافراً، أو هاشمياً، أو ذا قرابة للمعطى ممن لا يجوز الدفع إليه، لم يجزئه الدفع إليه، رواية واحدة؛ لأنه يتعذر معرفة الفقير من الغني، دون. غيره: " يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ *(سورة البقرة: 273)






( 1 ) البخاري: كتاب الزكاة - باب إذا تصدق على ابنه، وهو لا يشعر ( 2 / 38 1 )، والدارمي: كتاب الزكاة - باب فيمن يتصدق على غني (1 / 5 38، 6 38)، وأحمد في "المسند" (3 / 0 7 4).
(2) أي؛ من بني إسرائيل.
(3) وهو لا يعلم.
(4) حمد الله على تلك الحال؛ لأنه لا يحمد على مكروه سواه.
(5) فأتي: أي؛ رأى فى منامه.
(6) البخاري: كتاب الزكاة، باب إذا تصدق على غني، وهو لا يعلم (ح 1421 )، ومسلم: كتاب الزكاة - باب ثبوت أجر المتصدق، وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها، برقم ر 78) (2 / 9 0 7)، والنسائي: كتاب الزكاة - باب إذا أعطاها غنياً، وهو لا يشعر، برقم (2523) (5 / 55).
(7) سبق تخريجه.

No comments:

Post a Comment

المواضيع الاكثر زيارة

Total Pageviews