بحث في فقه السنة والويب

Tuesday, June 14, 2016

نقل الزكـاة

نقل الزكـاة
أجمع الفقهاء على جواز نقل الزكاة إلى من يستحقها، من بلد إلى أخرى، إذا استغنى أهل بلد المزكي عنها. أما إذا لم يستغن قوم المزكي عنها، فقد جاءت الأحاديث مصرحة، بأن زكاة كل بلد تصرف في فقراء أهله، ولا تنقل إلى بلد آخر؛ لأن المقصود من الزكاة إغناء الفقراء من كل بلد، فإذا أبيح نقلها من بلد - مع وجود فقراء بها - أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين؛ ففي حديث معاذ المتقدم: "أخبرهم، أن عليهم صدقةً تُؤخذُ من أغنيائهم، وترد إلى فقرائهم ".
وعن أبي جحيفة، قال: قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ الصدقة من أغنيائنا، فجعلها في فقرائنا، فكنتُ غلاماً يتيماً، فأعطاني قلوصاً (1). رواه الترمذي وحسنه. وعن عمران بن حصين، أنه استعمل على الصدقة، فلما رجع، قيل له: أين المال ؟ قال: وللمال أرسلتني ؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعناه، حيث كنا نضعه (2). رواه أبو داود، وابن ماجه.
وعن طاووس، قال: كان في كتاب معاذ: من خرج من مخلاف إلى مخلاف (3)، فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته. رواه الأثرم في "سننه ".
وقد استدل الفقهاء بهذه الأحاديث على أنه يشرع صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله، واختلفوا في نقلها من بلدة إلى بلدة أخرى، بعد إجماعهم على أنه يجوز نقلها إلى من يستحقها، إذا استغنى أهل بلده عنها، كما تقدم.
فقال الأحناف: يكره نقلها، إلا أن ينقلها إلى قرابة محتاجين؛ لما في ذلك من صلة الرحم، أو جماعة هم أمس حاجة من أهل بلده، أو كان نقلها أصلح للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الإسلام، أو إلى طالب علم، أو كانت الزكاة معجلة قبل تمام الحول، فإنه في هذه الصور جميعها لا يكره النقل.

وقالت الشافعية: لا يجوز نقل الزكاة، ويجب صرفها في بلد المال، إلا إذا فقد من يستحق الزكاة، في الموضع الذي وجبت فيه؛ فعن عمرو بن شعيب، أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند - إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدم على عمر، فرده على ما كان عليه، فبعث إليه بثلث صدقة الناس، فأنكر ذلك عمر، وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك؛ لتأخذ من أغنياء الناس، فترد على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء، وأنا أجد أحداً يأخذه مني. فلما كان العام الثاني، بعث إليه بشطر الصدقة، فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث، بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه، فقال معاذ: ما وجدت أحداً يأخذ منى شيئاً(4). رواه أبو عبيد.

وقال مالك: لا يجوز نقل الزكاة، إلا أن يقع بأهل بلد حاجة، فينقلها الإمام إليهم، على سبيل النظر والاجتهاد.

وقالت الحنابلة: لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر، ويجب صرفها، في موضع الوجوب أو قربه، إلى ما دون مسافة القصر.
قال أبو داود: سمعت أحمد، سئل عن الزكـاة، يبعث بها من بلد إلى بلد ؟ قال: لا. قيل: وإن كان قرابته بها ؟ قال: لا. فإن استغنى عنها فقراء أهل بلدها، جاز نقلها. واستدلوا بحديث أبي عبيد المتقدم. قال ابن قدامة: فإن خالف ونقلها، أجزأته، في. قول أكثر أهل العلم. فإن كان الرجل في بلد، وماله في بلد آخر، فالمعتبر ببلد المال؛ لأنه سبب الوجوب، ويمتد إليه نظر المستحقين. فإن كان بعضه حيث هو، وبعضه في بلاد أخرى، أدى زكاة كل مال حيث هو. هذا في زكاة المال، أما زكاة الفطر، فإنها تفرق في البلد الذي وجبت عليه فيه؛ سواء كان ماله فيه، أم لم يكن؛ لأن الزكاة تتعلق بعينه، وهو سبب الوجوب، لا المال.





( 1) الترمذي: كتاب الزكاة - باب ما جاء أن الصدقة تؤخذ من الأغنياء، فترد في الفقراء، برقم (649) (3 / 31).
(2) أبو داود: كتاب الزكاة - بـاب في الزكاة، هل تحمل من بلد إلـى بلد ؟ برقم، (5 62 1) ( 2 / 276)، وابن ماجه: كتاب الزكاة - باب ما جاء فى عمال الصدقة، برقم ( 1811) ( 1 / 9 57).
(3) مخلاف: أي؛ بلد، والأثر منقطع بين طاووس ومعاذ، فهو ضعيف.
(4) الأموال، لأبى عبيد، برقم ( 1 1 9 1)، (ص 784)، وهو منقطع؛ لأن عمرو بن شعيب لم يدرك معاذاً، فهو ضعيف.

No comments:

Post a Comment

المواضيع الاكثر زيارة

Total Pageviews